ابتزال في السينما المصرية

د. ماريان تادرس
تسير السينما المصرية في منحدر لا يعرف أحد مداه ، بعد أن كانت الأعمال الدرامية المصرية تحمل الفكرة الجيدة والقيمة الأخلاقية الرائعة، أصبحنا اليوم نشاهد ابتزالا وتراجعا فكريا وأخلاقيا على شاشات التليفزيون ... غابت القيم وتوارت المعاني القيمة وجاء بدلا منها الإسفاف والإستخفاف بعقول المشاهدين..
لقد أصبح منتجو السينما يبحثون عن تحقيق الربح المادي والمكاسب الشخصية والشهرة الزائفة، دون أن يأخذوا بعين الإعتبار واقع مجتمعهم وصغارهم وشبابهم الذين يشاهدون هذه الأعمال التي تهدف فقط لإثارة الغرائز .
وربما يرجع السبب في تراجع المعايير الأخلاقية في مجتمعنا المصري الآن إلى ما يشاهده الجمهور وما يتعلمه من السينما المصرية من ألفاظ بذيئة وإيحاءات غير أخلاقية وملابس عارية هدفها الإثارة ... وليس تقديم مضمون جيد يناقش قضايا المجتمع ويصل بالمشاهد لمرحلة النقاء.
إن الهدف الأساسي من نشأة الدراما هو التعبير عن واقع المجتمع ... ربما يعتقد المنتجون أن ما يقدمونه من أفلام سينمائية يمثل هذا الواقع الذي نعيشه ... ولكنني أريد أن أنبههم لأمر هام وهو وإن كانت هناك فئة قليلة من المجتمع تعاني من الإنحراف الفكري والسلوكي.. فإن هذه الأفلام لا تعبر عن واقع المجتمع المصري كله ولا يجوز لنا تعميم هذه الإنحرافات على المجتمع المصري ونقل هذه المشاهد المسيئة للعالم الخارجي وتشويه صورة مصر بالخارج ....
لقد أصبح العالم الخارجي ينظر لنا نظرة دونية وكأن ما يشغل تفكيرنا طوال الوقت هو التفكير في هذه الإنحرافات ، وكأن الفتاه المصرية خلقت فقط للإثارة ، والرجل المصري هو من يفكر طول الوقت في إقامة علاقه غير شرعية مع أي فتاه تثيره ... ليس هذا هو مجتمعنا المصري ... إن تكرار هذه الصور النمطية في الأعمال السينمائية المصرية يجعلنا نكرس أفكارا خاطئة عن المجتمع ، كذلك يؤثر سلبا على الأجيال القادمة التي يتم تشويه تفكيرها وجذبها بشكل لا واعي نحو هذه التفاهات ... يكفينا ما نعانيه اليوم من أزمات اجتماعية وأخلاقية وتفكك أسري وإنهيار لكافة معايير المجتمع...
لابد أن يتصرف القائمون على إنتاج الافلام السينمائية بشكل واعي وبمسؤولية كاملة أمام المجتمع ، وأن يرعوا ضمائرهم فيما يقدمون ... لا نريد حرية الإبداع التي تقودنا لإرتكاب الجرائم المخلة بالشرف والآداب العامة التي نقرأها يوميا على صفحات الجرائد ... لقد أصبحت جرائم انتهاك العرض والشرف والإغتصاب والتحرش الجنسي من أكثر الجرائم تكرارا بشكل يومي ... وهذه كارثة حقيقية لابد أن نعي لها وندرك أبعادها الخطيرة ...
إن الصغار والشباب هم أكثر الفئات تأثرا وتقليدا لما يشاهدونه وهذه هي الأزمة الكبرى .. لأن هذا السن العنيد لا يقبل الحوار والنقاش بطريقة سهلة وإذا حاولنا منعه بالقوة عن مشاهدة هذه الأفلام .. سيلجأ إلى أصدقائه ومواقع اليوتيوب وغيرها رغبة في الإستطلاع ومشاهدة كل ما هو جديد حتى لا يشعر أنه متأخر عن أقرانه في متابعة آخر العروض السينمائية.
قد يعتقد المنتجون أن برومو الفيلم السينمائي المخل بقواعد الآداب العامة هو الوسيلة الوحيدة لجذب الجمهور.. وهذا يعني أن المنتجين لا يحترمون مشاهديهم ويعتقدون في إسفاف عقولهم وتفاهتها وأن كل منهم سيتوجه إلى شباك التذاكر لمشاهدة الفيلم وفقا للصورة العارية المغرية التي تم وضعها عند الإعلان عن الفيلم ...
إنها إهانة للمشاهدين الذين يقبلون على أنفسهم أن يكونوا في هذا المستوى المتدني من التفكير ... إنها حالة من الحرمان العاطفي التي يعاني منها مشاهدي هذه النوعية من الأفلام .. الذين يتحملون أيضا مسؤولية هذه الأعمال الغير فنية لأنهم لو قاطعوا مثل هذه الأفلام .. لما تمكن المنتجون من إنتاج المزيد منها كل عام ... نحن من نشجعهم ونحن من نعطي لهم الفرصة للإستهزاء بعقولنا ونحن الذين ندعم هذه الأعمال الهابطة المستوى ..
لابد من تفعيل دور الرقابة على كل ما يتم إنتاجه من أفلام سينمائية .. خاصة وأن هناك فئة من المجتمع غير متخصصة مهنيا في الإنتاج السينمائي ولكنها تمارس هذا العمل فقط من أجل الشهرة وكسب المال السريع .

الكاتب صوت الناس الاخبارية on 12:49:00 م. يندرج تحت تصنيف , . يمكنك متابعة هذا الموضوع عبر RSS 2.0

المتابعون


hit counter

الأكثر قراءة

2010 BlogNews Magazine. All Rights Reserved. - Designed by SimplexDesign تعريب و تطوير نيوز سبارو للخدمات الإعلامية