التمويل الأجنبى

يسرى مصطفى
على الرغم من أن السلطات المصرية على دراية بالجانب الأكبر من الدعم الأجنبى لمنظمات المجتمع المدنى، وعلى الرغم من أن هذا الجانب الأكبر لا يمكن لمنظمات المجتمع المدنى تلقيه أو التصرف فيه إلا بموافقة من الدولة، إلا إن إثارة هذه قضية يتم بطريقة توحى بأن الدولة وكأنها مغلوبة على أمرها وليس لديها دارية بما يجرى، وبالتالى يبدو الأمر وكأن كشف خفايا التمويل الأجنبى يعبر عن صحوة السلطة ووطنيتها. وفى الحقيقة أن ظهور التمويل الأجنبى كمشكلة له أسبابه، ولكن الأكيد أن هذه الأسباب ليس لها علاقة بأدوار وطنية سواء للدولة أو النخبة، كما أنها لا تمت بصلة إلى ما يتم ترويجه بأن السبب هو الخوف على أمن المجتمع وحمايته من التدخل الأجنبى. وهنا أتحدث عن ذلك الدعم أو التمويل الذى يتم بشفافية وبصورة معلنة وغالبا وفق اتفاقيات ثنائية بين الحكومة المصرية وحكومات غربية.
إن مشكلة التمويل أو الدعم الأجنبى لمنظمات المجتمع المدنى ذات بعدين: البعد الأول يتعلق بالعلاقة بين الدولة ومنظمات المجتمع المدنى ذاتها، والثانى بين الدولة والجهات المانحة. وعلى الرغم من أن الدولة تصور أن البعد الثانى هو أصل المشكلة، إلا أننا نعلم تماما أن المشكلة غالبا ما تكون مع المنظمات المحلية وليس الجهات الدولية المانحة. ولا يعنى هذا أن العلاقة مع الجهات المانحة لا يشوبها التوتر والتناقض، ولكن ما نعنيه أن العلاقتين مثار جدل وتوتر ولكن بصور مختلفة، فمشكلة الدولة مع منظمات المجتمع المدنى المحلية ذات طبيعة مزمنة ومستمرة، أما المشكلة مع الهيئات المانحة الدولية فغالبا ما تكون ذات تظهر كأعراض لحالة سياسيةحادة وطارئة.
ولمن لا يعرف، فإن منظمات المجتمع المدنى تعانى معاناة شديدة من أجل الحصول على موافقات جهة الإدارة والأمن على الدعم الأجنبى، على الرغم من استيفاء كل الشروط القانونية للحصول على هذا الدعم. وقد لجأت بعض هذه المنظمات للقضاء من أجل الحصول على الدعم. وكما نعلم فإن التعسف الحكومى ليس له علاقة بوطنية الدولة أو خوفها على المصلحة العامة أو لأنها تخوضحربا مقدسة ضد التدخل الأجنبى فى الشئون الداخلية. لأن المسألة ببساطة هى إصرار السلطة، قبل وبعد ما يسمى بالثورة، على تقييد عمل منظمات المجتمع المدنى، وخاصة تلك التى تتنقد سياسات الحكومة. وبهذا المعنى فنحن أمام مشكلة مزمنة ليس لها علاقة بأطراف خارجية، ولكنها تعبر مباشرة عن وضع داخلى يتسم بخوف الدولة من أية مبادرات أو أصوات لا تتفق وتوجهاتها ولا تسير على هواها.
أما التوتر مع الجهات المانحة فيظهر ويختفى وفق مجريات السياسة. وغالبا ما يتم إثارة مشكلة التمويل الأجنبى عندما تشهد العلاقة بين السلطة الحاكمة والحكومات الغربية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية نوعا من التوتر أو تضارب المصالح. وفى هذه اللحظات تبرز النعرة الوطنية، ويجرى التشهير بالدعم الأجنبى ومتلقيه، وتصوير الأمر على أن هناك مؤامرة كبرى تجرى ضد البلد. والمفارقة أنه فى الوقت الذى يتم فيه التشهير بالدعم والتمويل، لا تتوقف المفاوضات والمحاولات الحكومية من أجل استمرار الدعم الأكبر والذى يوجه بالطبع للحكومة.
إن مشكلة التمويل الأجنبى هى، فى الحقيقة، مشكلة سياسية سواء مع منظمات المجتمع المدنى أو مع الجهات المانحة. وبكل تأكيد فإننا جميعا نأمل فى أن نعتمد على أنفسنا بشكل كامل، ولكن لكىيتحقق ذلك علينا الإجابة على سؤالين: السؤال الأول: هل من الممكن أن يتحمل الأثرياء والشركات الكبرى والدولة مسئولية دعم منظمات المجتمع المدنى بدون التحكم فيها وتقبل أدوارها التى قد تنطوى على نقد للسياسات والممارسات الحكومية؟ أما السؤال الثانى: هل نحن فى وضع يسمح لنا بالخروج من معادلة التعاون الدولى فى مجالات البحث العلمى والتنمية وحقوق الإنسان؟ فإذا كان فى مقدورنا تحمل المسئولية الاجتماعية والاستغناء عن منظومة التعاون الدولى، وقتها يحق لنا التفكير بشكل مختلف فى مسألة الدعم الخارجى. وإذا تحقق هذا، فالمؤكد أن طبيعة السلطة القائمة لن تكون هى ذات السلطة التى تشن حروبا وهمية وتفتعل معارك وطنية كما هى الآن وسابقا.

الكاتب صوت الناس الاخبارية on 12:07:00 م. يندرج تحت تصنيف , . يمكنك متابعة هذا الموضوع عبر RSS 2.0

المتابعون


hit counter

الأكثر قراءة

2010 BlogNews Magazine. All Rights Reserved. - Designed by SimplexDesign تعريب و تطوير نيوز سبارو للخدمات الإعلامية