نورهان إسماعيل تكتب: إذن.. فلنقطع الشك باليقين


الموضوع فيه "إن".. هذا الإحساس الذي نشعر به حينما يترك لك شخص مجالا للشك، فإنه بالقطع يؤكد لك ما قد يخطر ببالك من ظنون أخذت تثير ارتيابك لفترة، ذلك الشئ "إن" الذي تشك فيه نتيجة لعدم احترام هذا الشخص لعقلك أو مثلا لعقل المتابع لقضية ما، فبدلا من تقديم حجج وبراهين تؤكد على حسن النية أو ما يقنعك، فإنه يقدم إما نفيا مشوها، أو حتى لا يقدم أي أدلة مقنعة، وبذلك يكون قد ترك لك مجال للشك بل ويؤكد ظنونك.
أخذت أفكر في رواية سردها أحد الاشخاص يوما، بأنه حاول مساعدة فتاة تم التحرش بها في إحدى وسائل المواصلات، وحينما لم تتكلم الفتاة ونزلت، اتهمها كل من كان في المواصلة بأنها كانت تستمتع بما يحدث لها، ولم يفهم نزولها من المواصلة على أنه هروبا بالرغم من أن المتحرش قد لحق بها بعد عدة ثواني.
وبعيدا عن الأحداث التي حدثت في محاولة مساعدة الفتاة فيما بعد، إلا أن هذه الجزئية من الخبر هي ما تهمني في تحليل موقف غير مشابه على الإطلاق، فأثناء تحدث الشعب وانشغاله بمآسي الحياة اليومية يفاجأ بموضوع مشروع قانون تنمية "إقليم" قناة السويس.
وفي واقعة غير مسبوقة، وجدنا أنفسنا أمام تحليل معقد من قبل خبير قانوني- كان قد أحبك بذمة التعديل الدستوري في مارس 2011 بالرغم من أن كان تغيير الدستور كلية مطلب ثوري- إلا أنه كان من أحد واضعي التعديلات الدستورية، هذا الخبير قد خرج علينا رافضا كلية مشروع القانون بحجج قانونية مسردة في مقال كامل في جريدة الشروق، هذا المقال في حقيقة الأمر هو الحقيقة المطلقة من وجهة نظري المتواضعة، لأنه إذا خرج هذا الشخص دونا عن غيره بتصريحات كهذه، فهي بالقطع كارثة إنسانية في حد ذاتها.
ومن منطلق الغيرة على الوطن، خاف العديد من المواطنين أن يكون هناك من يحاول أن يتحرش بأرض الوطن، كتلك الفتاة في الأتوبيس، وقفزوا وراء تحليل وتجريد مشروع القانون لما قد يحدثه من خسائر فادحة لأرض الوطن تحت مسمى "الاستثمار"، فقفزوا من الأتوبيس من باب حماية أرض الوطن، وليس للتحرش بها كما قفز المتحرش،.
وكما ظهرت الشخصيات في الأتوبيس لتبرر التحرش بأن الفتاة كانت تستمتع بالتحرش، ظهرت شخصيات تؤيد "عمياني" هذا المشروع بحجة "أصل دبي تشعر بالغيرة وبالتالي فهي لا تريد الخير لمصر" (وإذا سألت أي خبير في مجال الشحن، سيؤكد لك أن دبي ليست بالمتضررة في شئ على الإطلاق لأن دبي تهتم بقطاع آخر في الشحن) إلا أن هذه الحجة هي في حد ذاتها من أضعف الحجج التي رأيتها في حياتي لتبرر اقتطاع إقليم كامل من مصر، بل وجعله شبه مستقلا بحجة "أصل دبي غيرانة"!
طبعا يوجد العديد مما يترك لنا مجالا للشك، بل ومن حقنا الطبيعي أن نشك في نوايا أي من يحاول أن يلمس منطقة استراتيجية كهذه خاصة في هذا التوقيت! والأدهى أنه جاء في توقيت يشعر فيه المواطن بالريبة من كل شئ، وإذا كان فعلا هذا المشروع هو فيه خير لمصر كلها كما يدعون، إذن لماذا يجب اقتطاعه كي يكون "إقليم" منفصل عن "إقليم" مصر؟ ألا يمكن تطوير وتنمية محافظة أو عدة محافظات وهي على حالها الآن دون المساس بسلطات الشعب المصري على أرضه؟ دون تعيين أشخاص غير مسائلين أمام الشعب المصري أو المجلس الذي يمثله؟ دون المساس بحدود هذا الإقليم؟
المشكلة لا تكمن فقط في القانون، بل أيضا في التعليقات التي جاءت على الحوار كله، فكانت في معظمها "نفي مشوه" من قبل واضعي مشروع القانون أنفسهم، فأخذ كل مسئول يتخبط في أقواله، وظهر معظمهم وهم ليسوا على دراية كاملة بالتفاصيل، وبالتالي تأتي إجابتهم في مجملها مشوهة ومتضاربة، الأمر الذي يثير الشك أكثر لأن واضعي القانون ليسوا بكفاءة أنهم يضمنون صحة صياغة المشروع، الأمر الذي يمثل مخاطرة كبيرة بأرض الوطن إذا ما كان هناك ثغرة قانونية واحدة.
إذا ما ربطت بين القصتين السابقتين فإنك بالقطع ستربط بين العديد من النقاط التي قد ترك لنا فيها المجال للشك منقطع النظير، وقد أتت الحجج ضعيفة لتثير الشك أكثر. ومن أهم تلك النقاط في رأيي مثلا: لماذا لم تستكمل جماعة الإخوان المسلمين تسجيل نفسها كجمعية كي تخضع لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات؟ لماذا لم يستق الرئيس عن جماعة الإخوان المسلمين بالرغم من أن كل المستشارين المستقلين من الرئاسة قد أعلنوا عن تدخل مكتب الإرشاد في اتخاذ القرارات؟ لماذا تم القبض على أحمد دومة، حسن مصطفى، أحمد ماهر، بشكل مريب مؤخرا؟
لماذا لم يقدم النائب العام طعنه في الحكم الصادر في موقعة الجمل في التوقيت الصحيح؟ لماذا يحاكم كل من علاء عبدالفتاح ومنى سيف إذا ما كان صاحب القضية نفسه قد تنازل عنها؟ لماذا لا يوزع الخبز إلا من خلال جمعية واحدة تابعة لجماعة الإخوان المسلمين؟ لماذا الاستعجال في إقرار مجلس الشورى (المؤقت) لمشاريع قوانين في أمور في هذه الأهمية؟ لماذا تم اعتماد قانون الصكوك حتى رغم رفض الأزهر له، بل وحتى عدم وضع التعديلات التي اشترطها للموافقة؟
لماذا كل هذا اللغط الدائر حول قضية هروب المساجين من سجن وادي النطرون إذا كان فعلا مؤكد بأن المساجين قد هربوا بالفعل، وهناك المكالمة التي تثبت ذلك على لسان حال الرئيس نفسه؟ لماذا لم يقدم حازم أبو إسماعيل ورق الإقامة الخاصة بوالدته؟ لماذا لا يوجد سفير في الفاتيكان حتى اليوم؟ لماذا يعين من كان في النظام السابق في النظام الحالي؟ لماذا لم نعرف من قتل الجنود في رفح بينما عرفنا في ثواني أعضاء بلاك بلوك؟ لماذا فرضت الضرائب على الدخل في ظل عدم تقديم أي مقابل جديد؟ لماذا ضربت الكاتدرائية؟ لماذا سمم طلاب جامعة الأزهر؟ لماذا ضرب المعتصمين أمام قصر الاتحادية؟ لماذا ولماذا ولماذا؟
أظن أن الشك في حد ذاته يتم تأكيده حينما يظهر النفي في حالة سيئة، فيخرج متحدث رسمي أو قيادي أو حتى أي شخص عادي ليبرر شيئا بحجة قبيحة ضعيفة ظنا منه أنه بذلك ينفي شكوكنا، ولكن في الحقيقة يأتي هذا النفي ليقطع لدينا أي مجال للشك بأن ظنوننا كانت صحيحة، بل ويؤكد مخاوفنا. بل ويظهر المبررون عادة بصياغة واحدة لجملة واحدة ترددها الجموع وكأنها شئ بديهي مثلا، أما نحن ممن ظنوا أو شكوا،  فإننا من يفكر بطريقة غريبة وليست بديهية!
أظن أن الحل المثالي في هذا التوقيت أنه إذا ما ثارت الشكوك والظنون تجاه موضوعا ما، فيجب أن يلغي هذا الموضوع للأبد، فلا يجب أن يأكل مثلا الشخص طعاما له رائحة سيئة أو ذو شكل غير مطمئن، بل يجب أن يرمي بعيدا، ولا يجوز أن نلمسه! وكما تجيد السيدات وصف حالة الارتياب بتشبيه "هناك فأر يلعب في عبي"، يجب ألا يسمح أبدا بأن يكون هناك فئران في فترة حرجة كتلك التي نعيش فيها، بل ويجب التوقف عن ترديد تبريرات غير منطقية، غير مقنعة، وذلك لأن التشبث في رأي قد يكون خاطئ يؤكد خطأه.
إذن، فلنقطع الشك باليقين.. فأي قضية تثير ارتيابنا هي بالقطع قضية شائكة لا يجب أن نقتل فيها حدسنا أو نقلل من شأن ظنوننا، فقد نكتشف يوما بأننا كنا على حق! فأنا مثلا مع الاستثمار في الأراضي المصرية بما يضمن تحقيق مصلحة للوطن، وليس للمستثمر وحده، ولكنني ضد أي شكل من أشكال الخصخصة أو حقوق الانتفاع لجزء استراتيجي من وطني مهما كانت المسميات.
"ديليسيبس".. كانت الكلمة السحرية لاسترجاع قناة السويس بعد أن كان للإنجليز حق الانتفاع بها. وإذا فعلا ما كان الرئيس مرسي يريد استكمال ما بدأه الرئيس عبدالناصر، كما صرح من قبل، أو ما بدأه الرئيس السادات في استرداد سيناء، أو في حسنة من الحسنات القليلة التي حققها مبارك، فعليه أن يقطع الشك باليقين، وأن يترك كل شئ  على ما هو عليه الآن لأنه بالقطع التوقيت الأسوأ، بل والطريقة الأسوأ كي يستكمل ما بدأه كل من كان قبله. وإذا فعلا ما كانت نواياه سليمة كما يؤكد دائما، فعليه أن يثق في أن غرائز وظنون الشعب المصري أقوى بكثير من غرائز وظنون شخص لم يحتفل بعد بمرور عام على توليه منصب.

الكاتب صوت الناس الاخبارية on 2:31:00 م. يندرج تحت تصنيف . يمكنك متابعة هذا الموضوع عبر RSS 2.0

المتابعون


hit counter

الأكثر قراءة

2010 BlogNews Magazine. All Rights Reserved. - Designed by SimplexDesign تعريب و تطوير نيوز سبارو للخدمات الإعلامية