تعويم الجنيه يعيد إحياء الفانوس

غزا الفانوس الصيني بأضوائه وألوانه وأشكاله المختلفة السوق المحلي منذ عدة أعوام، حتي بات الأمر تحديًا كبيرًا أمام الحرفيين المصريين من صناع الفانوس التقليدي المتعارف عليه بمواده وأشكاله البسيطة، والذي كان يقبل عليه المصري بكل فئاته العمرية وطبقاته المجتمعية لسنون طويلة. ويعتبر فانوس رمضان أجمل مايميز هذا الشهر الكريم بما يحمله من بهجة، فكانت رؤيته وأضواءه كافيان بأن يضفيا علينا جوًا من البهجة والسعادة، ويذكرنا بأيام الطفولة والصبا.

ومع قرار حظر استيراد الفانوس الصيني ومنتجاتنا الشعبية التراثية الذي كان قد صدر خلال نحو عام مضى، عاد الفانوس التقليدى للبزوغ في سماء السوق المحلي مرة أخرى.

وفي لقاء مع تجار وصناع للفانوس المصري قال لنا الحج محسن بدر: “للأسف كان قرار حظر استيراد الفانوس الصيني متأخرًا من الحكومة فقد كان التجار قد أتموا صفقاتهم لإستيراد الفانوس الصيني بأشكاله المبهرة للأطفال، وبالتالي فالأمر لم يؤثر بشكل كبير هذا العام في صناعة الفانوس المحلي، إلا في أسعاره ، فقد شعر التجار أن الفانوس المحلي سيكون هو بطل المشهد هذا العام لذا فقد تضاعف سعره بشكل كبير.

فيما أكد محمد حسن تاجر لعب أطفال أن الفانوس الصيني علي الرغم من إرتفاع سعره بشكل كبير هذا العام ووجود أشكال ملفته كثيرة في السوق هذا العام إلا أنه لم يصمد أمام الفانوس المصري ولن يصمد طويًلا أمام الفانوس المصري الذي ولد في مصر منذ العهد الفاطمي ويعد من التراث المصري الاسلامي، وبالطبع لم يرحب بقرارات حظر الاستيراد لما آلت اليه تجارته والكثيرين من ضرر لحق بهم وانخفاض كبير في المبيعات وارتفاع في الاسعار، مؤكدًا أن عملية تعويم الجنيه خلال الاشهر الماضية قد أنقذت بعض الصناعات الصغيرة والتي كانت علي وشك الاندثار وعلي رأسها هذا العام صناعة الفانوس المصري.

وقال الصنايعي مجدي فهمي إن خامات تصنيع الفوانيس المصرية أسعارها مرتفعة حتى قبل قرار الحكومة بحظر استيراد الفانوس الصيني، منوهًا إلى أن هناك إقبالًا كبيرًا علي شراء الفانوس رغم ارتفاع الأسعار، لافتًا إلى تباين أسعار الفوانيس والتي تبدأ من ال 7 جنيهات وتصل الي آلاف الجنيهات والتي توضع في مداخل الفنادق والفيلات.

وعليه فقد أتفق صنايعي آخر مع كلام مجدي مؤكدًا علي أن المواد الهام المستخدمة في صناعة الفانوس المحلي مرتفعة الأسعار بشكل كبير ،وقد ازدادت ارتفاعاً مع قرار حظر الفانوس الصيني مما أدي إلي ارتفاع التكلفة النهائية للمنتج وليس هناك الاقبال الكبير علي شرائه.

وشاركنا الحديث فاروق السيد قائلًا أنه قد تم تطوير أشكال الفانوس المصري التقليدى والمواد المصنوعة منه، فقد أدخل الصناع القماش والخيط والخشب الأرابيسك في صناعة الفوانيس المصرية، كما تمت صناعة الفوانيس المصرية من السلك والنحاس وهي خامات أقل تكلفة من الزجاج، مشيرًا الى أن استخدام الأرابيسك هي صرعة جديدة تم إدخالها منذ العام الماضي ولاقت رواجًا وترحيبًا في السوق حيث نقشت الآيات القرآنية وعبارات رمضان كريم وفي بعض الشغل اسماء شخصية يقوم الزبون بطلب حفرها علي الفانوس، وهو شغل يدوي وأرخص من الفوانيس الأخرى المصنوعة من الزجاج، ويتم إدخال لمبة موصلة بسلك كهربائي يمكن أن توضع في مكبس الكهرباء، وتتراوح أسعاره مابين ال 40 جنيها وحتي 70 جنيهًا، ومنه الحجم الصغير الذي يستخدم لميداليات المفاتيح وغيرها ويترواح سعره ما بين ال5 الي 10 جنيهات.

وأضاف في حديثه أنه تم تطوير الفانوس التقليدى المصنوع من الصاج وتغليفه بالقماش للحماية من لهب الشمع وأسعاره أقل من الفانوس الارابيسك حيث تبدأ من نحو 30 جنيهًا ،وباتت أكثر أمنًا عما سبق.

موضحًا أن صناعة الفانوس الرمضاني التقليدي هي انتاج موسمي تتم صناعته فقط لشهر رمضان وقلة قلية من تعمل بهذا المجال، ولا علاقة لنقابة الحرفيين بالأمر.

فيما أكد السيد أن أسعار الفوانيس الصيني قد ارتفعت بنحو 80% إلي 100% عن العام الماضى بل وارتفعت اسعار الفوانيس الكارتونية إلى 150%، فيما ارتفعت اسعار الفانوس التقليدي بنحو 50% الي 70% عن العام الماضي نظرًا لإرتفاع اسعار الخامات المستخدمة في صناعته.

وعلق مصطفى السيد صاحب محل لعب أطفال على أنه رغم حظر استيراد المنتج الصيني إلا أن التجار يلجأوون للحيل لإدخاله الي البلد حيث أنه متواجد بكثرة في السوق المصري، حيث أن الفانوس يتم استيراده علي أنه لعبة أطفال ومكتوب عليه لعبة أطفال ،ويمكن بعد إدخاله إلي مصر أن يتم تبديل الاسطوانة الموجودة بداخله بأخري مسجل عليها أغاني رمضان ،كما يقوم التجار بإستيراد المواد الخام ويقومون بتجميعها في مصر في مصانع خاصة بهم.التجار والتي بدورها ستفتح مجالاً واسعًا للكثير من الشباب.

فيما لفت مصطفى في كلامه إلي أنه بدأ في بيع الفانوس الصيني بعدما كسد سوق الفانوس المصري بشموعه وشكله البسيط ونتيجة لإقبال الاطفال علي الفانوس الصيني بشكل كبير، ولاسيما نتيجة تحفظ الاهالي وتخوفهم من الفانوس التقليدي لعدم توافر الأمان به عنه في الصيني.

فيما أشار عم مجدي عوض إلي أن الفانوس التقليدي من النحاس أو صفائح الحديد ويتكون من ثلاثة أجزاء (القبة والصندوق والكعب)، وتبدأ مراحل الصنع بقص الصفيح بعد وضع آلة لها شكل هندسي تقصه لتخرج وفقًا للشكل الذي تم القص عليه، ثم يتم تخريمه وعمل الزخارف من خلال المكبس ،ويتم عمل مجرى أو كوردون وتجمع قطع الفانوس في النهاية من خلال أدوات اللحام، ثم تأتي عملية التركيب وتركيب الزجاج والذي يتم قطعه وزخرفته وتلوينه وفي النهاية مرحلة الاضاءة ،حيث يتم ارساله الي ورشة الكهربائي لوضع اضاءات عادية أو ملونه فيه، مؤكدًا علي أن صناعة الفانوس الواحد تتطلب ثلاثة أيام إلى أسبوعين ،حسب حجمه وزخارفه، ومتحدثًا عن أنواع الفانوس التقليدي قائلاً:”العفريت أي نسبة الي فانوس اسماعيل ياسين، وتاج الملك والشمامة وتصميمه يشبه التاج، والفانوس مخمس الاضلاع وهناك البرج وفانوس طبلة العالمة وزهرة اللوتس.”

ورفض عم مجدي الفانوس الصيني مؤكدًا أنه فانوس بلا روح ولا طعم ولا هوية ولا قيمة ولايعدو كونه لعبة كارتونية، ولا تعبر بدورها عن الشهر الفضيل ولا تبث روحه التي اعتدناها.

وقال: “كنا نصدر فانوسنا المصري الي دول الخليج وإيطاليا ودول المغرب العربي واليونان واندونيسيا ودول أخري وفق طلب الجاليات الاسلامية بها.”

وأشار” بركات صفا” رئيس شعبة لعب الاطفال باتحاد الغرف التجارية أنه علي الرغم من ظهور الكثير من الاشكال في السوق المصري من الفوانيس إلا أن نسبة المبيعات ضئيلة جدًا عن الاعوام السابقة مؤكدًا أن قرارات حظر الاستيراد وتعويم الجنيه ساهما بشكل كبير جدًا في ارتفاع الاسعار حيث قد بلغت الارتفاعات الي 100% عنه في العام الماضي، مؤكدًا علي تضرر التجار الكبير في ظل هذه القرارات حيث بات هناك صعوبات عدة في طريق المستوردين لإستيراد لعب الأطفال، لافتًا الي أن اسعار لعب الاطفال والادوات المكتبية قد ارتفعت في بعضها الي اكثر من ال 100%، موضحًا أن أحدث الاشكال التي سادت السوق المصري هذا العام في الفانوس هي عودة ظهور شخصيات بوجي وطمطم الي جانب الشخصيات الكارتونية وشخصيات ديزني المختلفة، هذا الي جانب ازدهار الفانوس المصري التقليدي مرة أخري هذا العام عن الأعوام السابقة.

وأما عن تاريخ الفانوس المصري فيشير دكتور جمال شقرة أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة عين شمس إلي أن الروايات متعددة ولكن الرواية الأرجح تقول أن أهالي القاهرة في العصر الفاطمي كانوا يزينون مداخل بيوتهم وشوارعهم وحوانيتهم بفوانيس ذات أشكال مختلفة تعبيرًا عن فرحتهم بقدوم شهر رمضان.

وأن الفانوس أضاء الليالي الرمضانية بعدما سمح الحاكم بأمر الله خلال حكمه الدولة الفاطمية” 966 – 1020 ” بخروج النساء من بيوتهن شرط أن يتقدمهن غلام يحمل الفانوس فيفسح لهن الطريق.

وتطور شكل الفانوس الرمضاني منذ ألف عام حتى الآن،وبعد أن كان حجمه كبير ويضاء بالزيت والفتيل ويصنع من زجاج شفاف يميل لونه الي الأصفر أو الأزرق صار يصنع من الصاج والزجاج الملون، وفي داخله تضاء شمعة.

وصولًا إلي عهد الملك فاروق الذي ابتكر فانوس باسمه وكان مصنوعًا من الصاج ،رباعي الأضلاع ومزينًا بأشكال هندسية تراثية، حمل اسم الفاروق “أخر ملوك الأسرة العلوية في مصر.”، لأنه كان يستخدم في مناسبات متعلقة به أهمها يوم ميلاده، مشيرًا إلي أن أهمية صناعة الفوانيس ترجع الي أنها غيرت ذوق المصريين الفني فبعد ما كانوا متأثرين بالأشكال الهندسية الفرعونية أدخل الفاطميون فنونًا هندسية جديدة تغلب عليها المربعات وشكل المئذنة والهندسة الاسلامية واللونين الاحمر والازرق.

ومرت صناعة الفوانيس بمرحلتين تركتا آثارهما علي صناعة الفوانيس في مصر، الأولي عندما كانت مصر تابعة للدولة العثمانية ،حينذاك رحل كبار صناع الفوانيس الي الأستانة في تركيا، ولكن صغار الحرفيين استطاعوا أن يكملوا المسيرة.

أما المرحلة الثانية فهي غير محسومة وهنا مكمن الخطورة، وفيها جاء اهمال تدريجي لصناعة الفوانيس وتركت دونما أدنى رعاية من الدولة أو تشجيعها وحمايتها.

كما لفت إلي أنه خلال السنوات الماضية وفي ظل حكم الاخوان عام 2012 منذ تسلم محمد مرسي مقاليد الحكم في البلاد فقد فرض علي مصر وقتذاك مناخًا سياسيًا مظللاً بعباءة الدين، فظهرت لنا اشكال مختلفة من الفانوس منها الرجل الملتحي بجلبابه الأبيض والفانوس علي شكل مسجد يتوسطه صورة لمرسي وبعض عبارات التأييد والآيات القرآنية، إلا أن الأمر عاد إلي نصابه الصحيح بعد ثورة 30 يونيو فأطاح بالرجل الملتحي وجلبابه كما أطاح بحكم مرسي والإخوان، فظهر لنا الفانوس من جديد عليه صور شخصية للرئيس عبد الفتاح السيسي بعدما اعتبره الشعب منقذًا للبلاد، وحملت الفوانيس صور السيسي ببذته العسكرية وظهرت اشكال اخري مثل الدبابة متغنية بكلمات اغاني بشرة خير وتسلم الأيادى، مؤكدًا أنه حتى الفانوس قد تم استخدامه سياسيًا على مدار العصور.

الكاتب صوت الناس الاخبارية on 3:38:00 م. يندرج تحت تصنيف . يمكنك متابعة هذا الموضوع عبر RSS 2.0

المتابعون


hit counter

الأكثر قراءة

2010 BlogNews Magazine. All Rights Reserved. - Designed by SimplexDesign تعريب و تطوير نيوز سبارو للخدمات الإعلامية