تركيا ومجموعة الأزمات الدولية


بقلم / رئيس التحرير
ليس استشراس النظام السوري في الدفاع عن نفسه وقوة المحور الذي ينتمي إليه وليس إصرار المعارضة على الذهاب إلى النهاية لإسقاط النظام هي فقط من العوامل التي تطيل الأزمة في سوريا وتجعل من البلاد ذات الموقع الحساس والدور الاستراتيجي هدفا منهجيا للتدمير.بل إن من أهم الأسباب لاستطالة الحرب في سوريا هو غياب طرف ثالث موثوق من طرفي الصراع.ذلك أن الحرب في سوريا جعلت من جميع الدول والقوى المعنية بها طرفا مباشرا إما مع هذا الجانب أو ذاك.لم يعد للحياد مكان. الجميع متورط ومنغمس حتى أخمص قدميه.ولم ينفع روسيا أنها الوحيدة الآن القادرة على التحدث مع الجميع إذ أنها طرف حاسم أيضاً في المعركة الجارية في سوريا وعلى المنطقة وعلى مستقبل النظام الدولي.ما يذكر هنا أن تركيا كانت في السنوات التي سبقت الأزمة السورية بلدا يستطيع بدبلوماسيته أن يتنقل كالسندباد بين القوى المتصارعة في هذه المنطقة أو تلك من العالم على أساس دورها الوسيط في عدد كبير من النزاعات ومنها بين سوريا وإسرائيل.ولكن أنقرة عادت وانقلبت على مبادئ سياستها الخارجية وتحولت إلى طرف مباشر في الصراع الدائر في سوريا فباتت في مواجهة مع كل المحور الذي تنتمي إليه سوريا فيما هي أخذت مكانها في المحور الذي يريد إسقاط النظام بل بنت كل رهاناتها على حتمية سقوط النظام.لا يمكن تقرير المواقف نيابة عن الآخرين فربما تركيا ترى أن ذلك يوائم أهدافها ومصالحها القريبة والبعيدة.ولكن ما يتبين بعد عامين ونيف أن الوقائع لم تكن متطابقة مع الآمال والتمنيات.نترك من هنا ولاحقا الكلام لتقرير "مجموعة الأزمات الدولية" التي تضم رؤساء حكومات ومسؤولين عالميين،غربيين أساسا، كانت لهم خبراتهم ويجتمعون دوريا ويقدمون رؤيتهم و "نصائحهم" حول العديد من القضايا الساخنة في العالم ومن هنا جاء اسم المجموعة ذات الصيت العالمي الإيجابي.المجموعة أصدرت قبل أيام تقريرا مطولا خاصا بالموقف التركي من الأزمة السورية وكان لافتا تطابق التقرير مع العديد من التوصيفات التي قدمناها سابقا حول الدور التركي في سوريا بل أي دور لتركيا يمكن أن تلعبه لو أنها بقيت على صلة بكل أطراف الأزمة السورية ولم تتحول إلى طرف.يبدأ التقرير بالحديث عن مشكلة اللاجئين السوريين في تركيا والتي تحولت من مصدر اعتزاز إنساني إلى عبء لا يمكن لتركيا وحدها أن تتحمله بعدما قارب عدد اللاجئين في تركيا النصف مليون لاجئ بكلفة بلغت حتى الآن حوالي المليار ونصف المليار دولار.وإذا كانت الكلفة المالية يمكن تجاوزها نسبيا بدعم دولي فإن المشكلات المترتبة على وجود هؤلاء اللاجئين لا يقاس بالمال إذ لمشكلاتها انعكاسات أمنية واجتماعية وإتنية ومذهبية في المناطق التي هم فيها.وينتقل التقرير للحديث عن الخسائر التي تعرضت لها تركيا من جراء استطالة الأزمة السورية وهي ضرب التجارة وقطاع النقل في المحافظات الحدودية وغير الحدودية مع سوريا والعراق وكذلك قطاع السياحة في تلك المناطق.ولكن بيت القصيد في تقرير المجموعة هو الجانب السياسي من الموقف التركي حيث ترى المجموعة أن الموقف التركي الذي استجد لاحقا والقائم على "دعم الشعوب" والذي كان سببا لدعم المعارضة السورية لم يتحقق على الأرض. إذ لا يزال النظام موجودا ولا يبدو،وفقا للتقرير، أنه سيسقط قريبا في ظل الاستقطاب العالمي الحاصل.ويرى التقرير أن أسوأ مثال على فشل سياسة "صفر مشكلات" مع الجيران الذي رفعته تركيا كان المثال السوري.وعند الانتقال إلى التوصيات كانت المفاجأة أن المجموعة أوصت تركيا بأن تتخلى عن اعتقادها بإمكانية حل الأزمة السورية قريبا بل أن تتخلى عن أن تكون طرفا في الأزمة.وفي إشارة إلى أن تركيا لا تقدم الدعم للحلول السلمية ولا تزال تراهن على إسقاط النظام السوري بالقوة أوصى التقرير تركيا بأن تدعم مساعي البحث عن حل للأزمة عن طريق الحوار والمفاوضات.لم يكن مطلوبا من تركيا أن تقف إلى جانب النظام وهذا ما فعلته، ولا أن تتخلى عن دعم المعارضة وهذا أيضا ما فعلته.لكن انخراط تركيا سياسيا ودبلوماسيا وعسكريا على هذا النحو في الأزمة السورية لم يكن مبررا وكان حائلا دون أن تمارس تركيا دورا فقدته وكان من أسباب نجاحاتها في المنطقة وهو الدور الوسيط الذي تفتقده كل الدول وهو من أهم أسباب استمرار الأزمة السورية خصوصا في ظل عجز أي طرف من حسم الحرب العسكرية لمصلحته وانعكاسات ذلك السلبية على الدور التركي ومكانتها الإقليمية والدولية.

الكاتب Unknown on 3:30:00 م. يندرج تحت تصنيف . يمكنك متابعة هذا الموضوع عبر RSS 2.0

المتابعون


hit counter

الأكثر قراءة

2010 BlogNews Magazine. All Rights Reserved. - Designed by SimplexDesign تعريب و تطوير نيوز سبارو للخدمات الإعلامية